مؤتمر "حلّ الدولتين" في نيويورك يُحرّك المياه الراكدة: ضغط دولي على إسرائيل، وسياقات إقليمية تتغير

ميساء شيخ حسين
الثلاثاء, 29 يوليو - 2025
جلسات حل الدولتين في الأمم المتحدة
جلسات حل الدولتين في الأمم المتحدة

انطلقت في نيويورك أعمال مؤتمر دولي حول "حل الدولتين" بمشاركة أكثر من 125 دولة و50 وزير خارجية، وسط غياب لافت لكلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل. ويهدف المؤتمر، الذي يستمر لثلاثة أيام، إلى وضع خارطة طريق عملية لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ضمن إطار عربي تتصدره مبادرة السلام العربية، وبرعاية سعودية وفرنسية مشتركة.

ويأتي هذا الحراك السياسي في ظلّ تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل للقبول بخيار الدولتين، والذي عاد إلى صدارة الأجندة الدبلوماسية بعد فترة من التراجع. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، في بيان رسمي:

"هناك محاولات متزايدة لممارسة ضغوط غير مسبوقة على إسرائيل لقبول واقع سياسي يهدد أمنها واستقرارها، وتحديداً ما يسمى بـ'حل الدولتين'."

وأعربت أوساط سياسية إسرائيلية عن مخاوف من أن يكون المؤتمر مقدمة لتحركات دولية واسعة، قد تشمل اعترافاً أحادي الجانب بدولة فلسطين، خاصة مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الدفع بهذا الاتجاه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة.

ردود أفعال إسرائيلية غاضبة.. والمخاوف تتصاعد

وفي إسرائيل، أثار توقيت المؤتمر غضباً شديداً داخل الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو. ووفق مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في تل أبيب، فإن "حالة من الهستيريا السياسية تسود داخل مجلس الوزراء، خصوصاً بعد الرسائل السياسية والاقتصادية المتلاحقة من المملكة العربية السعودية."

وتخشى تل أبيب من أن تُستغل هذه اللحظة الدولية لإحداث تغييرات دبلوماسية جذرية في المشهد الفلسطيني، ما قد يدفعها – بحسب مراقبين – إلى تكثيف إجراءات ترسيخ السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وزيادة وتيرة بناء المستوطنات، وتوسيع سلطات الحكم الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.

الصفعة السعودية.. من سوريا إلى نيويورك

وفي سياق متصل، أثار تسارع وتيرة التقارب السعودي مع دمشق، ولا سيما من خلال عقد منتدى الاستثمار السعودي السوري في دمشق الأسبوع الماضي، استياءً واسعاً في الأوساط الإسرائيلية، التي اعتبرت الخطوة "ضربة دبلوماسية واقتصادية موجعة".

وقد حملت تصريحات وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، ورئيس مجلس الأعمال السوري السعودي محمد أبو نيان، رسائل واضحة عن نية المملكة توسيع نطاق دعمها لسوريا، اقتصادياً وسياسياً، ضمن رؤية جديدة لاستقرار المنطقة.

ويرى محللون أن هذه الخطوات تؤشر لتحول في أولويات الرياض، باتجاه دعم "حلول مستقرة" تعزز وحدة الدول الإقليمية، مقابل تحجيم دور الفاعلين غير الدولتيين والانقسامات الجغرافية والسياسية.

سوريا في صلب التحولات.. وتفاهمات تركية أميركية جديدة؟

وإن كان المؤتمر لا يتناول الشأن السوري بشكل مباشر، إلا أن تداعياته تمسّ المنطقة بأكملها، وتنعكس على الترتيبات الجارية بصمت في الملف السوري. حيث أفادت تقارير دبلوماسية، نقلاً عن مصادر تركية وأميركية وسورية، بأن أنقرة أبلغت دمشق عن تقدم في محادثاتها مع المبعوث الأميركي توماس براك بشأن إطار عسكري لحل قضية "قسد"، وسط مؤشرات على تغير في الموقف الأميركي بعد فشل محاولات دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن هيكل الدولة السورية.

وتدرس الإدارة الأميركية، وفق ذات المصادر، خياراً عسكرياً محدوداً، يعطي الأولوية لوحدة سوريا واستقرارها، ولو على حساب النفوذ المحلي لقسد.

بين نيويورك ودمشق.. ترتيبات ما بعد نتنياهو؟

في خلفية هذه التطورات، برزت معطيات من محللين مقربين من الإدارة الأميركية تفيد بأن هناك تنسيقاً غير معلن بين السعودية وفريق دونالد ترامب، الذي يتحضّر لحملة انتخابية جديدة.

ويفترض السيناريو أن تتولى الرياض الدفع بزخم دبلوماسي لإقرار حل الدولتين، بينما تعمل دوائر ترامب في واشنطن على إضعاف نتنياهو داخلياً والتعاون مع المعارضة الإسرائيلية بقيادة يائير لابيد، تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة تُخرج الحكومة الحالية.

وتقول مصادر فرنسية إن باريس مستعدة للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة المقبلة، ما قد يشكل نقطة تحول في الموقف الأوروبي المتردد حتى الآن.

خلاصة: سوريا ليست بعيدة عن المسرح

في خضم هذا الحراك الإقليمي والدولي، تعود سوريا إلى الواجهة بوصفها "بيضة القبان" في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية. فرغم محاولات حصر أزمتها في السياق المحلي، يؤكد متابعون أن الملف السوري جزء لا يتجزأ من ترتيبات الاستقرار الأشمل في المنطقة، وأن أي تقدم في المسار الفلسطيني – الإسرائيلي لن يكون منفصلاً عن مشهد التوازن في سوريا ولبنان والأردن.

وفي هذا السياق، يزداد الحذر من محاولات إغراق الداخل السوري في الأزمات الفوضوية، مقابل جهود عربية ودولية لإعادة تأهيل الدولة السورية كعنصر استقرار إقليمي.