عن القدس العربي
يجري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس براك اتصالات مكثفة مع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إضافة إلى وزراء خارجية عرب آخرين ووزير الخارجية التركية، استعدادا لعقد جولة مفاوضات بين الحكومة السورية وممثلين عن طائفة الموحدين السوريين الدروز في العاصمة عمّان، حسب ما أفاد مصدران أحدهما أمريكي وآخر سوري لـ«القدس العربي».
وأضاف المصدر الدبلوماسي الأمريكي أن هناك رغبة دولية وإقليمية بانجاح المؤتمر. وتسعى الأطراف الدبلوماسية لاقناع الشيخ حكمت الهجري بالحضور شخصيا وحضور وجهاء من أبرز العائلات الدرزية وقادة أشهر الفصائل الدرزية بدون معرفة ما إذا ستتوجه دعوات لسليمان عبد الباقي وليث البلعوس الموالين للحكومة المؤقتة لحضور اجتماع عمان المقرر انعقاده نهاية الأسبوع المقبل حسب الاتصالات الأولية الجارية. وتعلق الدبلوماسية الدولية والإقليمية أملا كبيرا على الاجتماع المزمع انعقاده إلا أن الأوساط النشطة للتحضير للمؤتمر لا تتتوقع حضور الشيخ الهجري في ظل غياب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني واقتصار التمثيل الرسمي على قائد الأمن الداخلي في السويداء أحمد الدالاتي وقائد الأمن العام في درعا شاهر عمران إضافة لمحافظ السويداء مصطفى البكور.
مؤتمر «وحدة الموقف»
في سياق منفصل، أتى مؤتمر «وحدة الموقف» لمكونات شمال شرق سوريا ليرفع سقف مطالب «قسد» قبيل مؤتمر باريس الذي ترعاه فرنسا وأمريكا وبريطانيا، والذي من المقرر أن يحضره وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني من جهة الإدارة السورية وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والهام احمد من جهة أخرى، خصوصا بعد أن نجح مجلس سوريا الديمقراطي بحشد أطياف متنوعة واقنع كلا من الشيخ غزال غزال والشيخ حكمت الهجري والشيخ مرشد معشوق الخزنوي والمطران موريس عمسيح، كممثلين عن «المجلس العلوي» و«طائفة الموحدين الدروز» والمشيخة الكردية والمسيحيين.
وفي تطور لافت، ظهر القيادي الكردي البارز سيبان حمو بعد سنوات من الغياب الرسمي والإعلامي، حيث كان عام 2018 آخر ظهور علني له، ويعتبر حمو القائد العام لوحدات «حماية الشعب» الكردية وعضو اللجنة العليا لقيادة «قسد»، ويأتي ظهوره ليفسر تشددا في الموقف الكردي من المفاوضات مع دمشق.
واعتبر في تصرحات صحافية على هامش «وحدة الموقف» أن المشروع الديمقراطي في سوريا لن يتوقف، مؤكدا على أن «قسد» لن تقبل بأي صيغة تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه في الماضي.
وشدد على العمل «من أجل بناء سوريا لامركزية»، ورفض «التعامل مع بعض الحقوق الفردية على أنها منحة من أحد». وحول الموقف التركي من «قسد» قال إن القوات الكردية «لا تشكل أي تهديد لتركيا، وأن الادعاءات بعكس ذلك تهدف فقط لتبرير التدخلات».
وفي تحد هو الأول من نوعه لقيادي كردي موجه إلى حكومة الشرع، حذر حمو من أن الاستمرار في ذات النهج «سيقود إلى الهزيمة والتفكك كما حصل مع حزب البعث». موضحا موقف «قسد» انها «لن تنضم إلى الجيش السوري» في حال استمر هذا المسار، وختم تصريحاته بالقول «نحن نملك خيارات بديلة ولسنا عاجزين».
وتعتبر تصريحات حمو بمكانة انعطافة جديدة في موقف «قسد» وتمسكا أكثر صرامة بشروطها ورؤيتها لتطبيق اتفاق 10 آذار (مارس) بين الشرع وعبدي. ومن الواضح أن «قسد» ستذهب لتطوير علاقتها مع الهجري وغزال وما يمثلان سياسيا واجتماعيا والاستثمار بها في مواجهة الحكومة الانتقالية. كما يؤشر ظهور سيبان حمو المفاجئ إلى ان القيادة العليا اتخذت قرارا بالتخلص من إرث مظلوم عبدي المنفتح على الحوار والذي يسهل عليه تقديم التنازلات لمصلحة دمشق.
دعم أمريكي
على صعيد العلاقة بين واشنطن ودمشق، يستمر الدعم السياسي الأمريكي لدمشق وينعكس في أشكال مختلفة، فقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، على مواصلتها دعم الاستقرار والاندماج في سوريا، ودفع عملية الحوار بين حكومة دمشق، وقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ودعم بناء حكومة شاملة تشمل كافة الأطراف وتمثلهم، مشددة على أن الشعب السوري يستحق السلام.
تصريحات الخارجية الأمريكية جاءت على لسان المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس، خلال مؤتمر صحافي عقدته في مقر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، الثلاثاء.
وقالت بروس، إن المهم هو العمل على استقرار سوريا، وأن موقف الولايات المتحدة تجاه سوريا لا يزال قائمًا، و«عندما يتعلق الأمر بكيفية حل المشكلات تبقى الديمقراطية والدبلوماسية، أمرا حيويًا».
وأشارت المتحدثة إلى أن موقف واشنطن بشأن سوريا لم يتغير، مؤكدة على أن الحل السياسي في البلاد يجب أن يكون من خلال حكومة جامعة وشاملة، تقود سوريا نحو الاستقرار والسلام، ولفتت بروس إلى أن الولايات المتحدة تناقش مع الإدارة السورية الجديدة إصلاحات من شأنها أن تنشئ إدارة شاملة تضمن تمثيل جميع السوريين.
وأشادت مرحبة باللقاءات والاجتماعات القائمة بين حكومة دمشق، وقوات «قسد»، وأكدت على أهمية اندماج قوات الأخيرة ضمن الجيش السوري الجديد، وعلى ضرورة هذه الخطوة في سبيل تعزيز وحدة المؤسسات العسكرية في سوريا وضمان استقرارها، ودعت إلى تحويل «وقف إطلاق النار» في شمال شرق سوريا إلى سلام مستدام وشامل.
وقالت بروس، إن سوريا «تستحق الاستقرار، وشعبها يستحق السلام»، وأكدت على أن الالتزام الأمريكي بدعم عملية سياسية مستمر.
ومن الناحية العملية، لفتت المتحدثة إلى أن سفير الولايات المتحدة في تركيا، والمبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، يواصل المحادثات مع جميع الأطراف لضمان الأمن والهدوء للسوريين كافة.
وفي هذا السياق، قال براك يوم الاثنين، في تغريدة له على منصة اكس، إن أمريكا تعمل مع فرنسا، لدمج مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ضمن سوريا الموحدة.
وأضاف، «الدبلوماسية هي الطريق الأمثل لوقف العنف والوصول لحل سلمي»، مؤكدًا على أن الولايات المتحدة تعمل للوساطة للوصول إلى حل في السويداء، كما أنها تعمل مع فرنسا للوساطة في دمج شمال شرق البلاد في حكومة واحدة.
وأتت تصريحات المبعوث الأمريكي، على خلفية عودة المناوشات في محيط السويداء، بين قوات «درزية» موالية للشيخ حكمت الهجري، وقوات تابعة لحكومة دمشق، من جهة، واشتباكات بين قوات الأخيرة وقوات «قسد» في منبج من جهة أخرى، الأحد الفائت.
وفي هذا الجانب، حث براك جميع الأطراف على التمسك بالهدوء، وحل الخلافات بالحوار لا بسفك الدماء.
وكانت اشتباكات قد اندلعت في السويداء مساء الأحد الفائت، على خلفية هجوم شنته قوات موالية «للهجري» على مواقع للأمن العام التابع لوزارة الداخلية في الحكومة السورية، في قريتي ريمة حازم وولغا، وعلى تل حديد، بريف السويداء الغربي، ما أسفر عن مقتل عدد من عناصر الأمن العام الذي انسحب من مواقع لساعات قبل العودة إليها مجددًا.
كما تبادلت القوات الحكومية، وقوات «قسد» القصف المدفعي في منطقة منبج في نفس اليوم، ما أدى إلى إصابات في صفوف القوات الحكومية، وقالت إدارة الإعلام في وزارة الدفاع السورية، إن قوات «الجيش السوري تمكنت من صد عملية تسلل لقوات قسد على إحدى نقاط الانتشار في محيط قرية الكيارية بريف منبج».
وأكدت على أن قوات «قسد» استهدفت بالقصف الصاروخي منازل المدنيين في القرية ومحيطها، بشكل «غير مسؤول، ولأسباب مجهولة».
إلى ذلك، أكد براك في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن، في الأول من الشهر الجاري، على أن وزارة الخارجية الأمريكية لن ترفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية لـ «الإرهاب»، حتى ترى ما سيحصل في وقت لاحق من إدارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، لافتًا إلى أن التدخلات الإسرائيلية في سوريا «تعقد الأمور، لعدم التوصل لتفاهم بخصوص العلاقة بين سوريا وإسرائيل».
كما تعهد المبعوث الأمريكي بمحاسبة المسؤولين والمتورطين عن مقتل مواطن أمريكي من أصول سورية خلال الأحداث في السويداء، قائلاً إن «الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع تتعاون بشكل كامل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي في القضية، وكل من يثبت ضلوعه بالجريمة سيعاقب»، مؤكدًا على أن الحقيقة ستكشف بالكامل، مضيفًا «الجهات المعنية تحاول تحليل الزي العسكري وتحديد تسلسل الأحداث في وسط الفوضى التي تزامنت مع الاشتباكات».
الجدير بالذكر، أن المواطن الأمريكي من أصول سورية، هو حسام سرايا من مدينة السويداء، اختطف في 16 حزيران (يونيو) الماضي على يد مجهولين، وظهر لاحقًا في مقطع مصور تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينفذ مجموعة أشخاص بزي عسكري الإعدام بحقه وحق عدد من أقاربه في السويداء.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد دعت – في وقتٍ سابق- خلال الشهر الماضي إلى فتح تحقيق فوري في مقتل حسام سرايا، ولفتت إلى أنها أجرت محادثات مباشرة مع دمشق بخصوص القضية.
عقبات التصنيف
بموازاة ذلك، كشف تقرير نشره موقع «المونيتور»، عن جهود دبلوماسية أمريكية هدفها رفع العقوبات الأممية والدولية المفروضة على رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، ووزير الداخلية في حكومته أنس خطاب، بالإضافة إلى إعادة النظر في تصنيف «هيئة تحرير الشام» ضمن قائمة «الكيانات الإرهابية».
وأفاد التقرير، بأن الولايات المتحدة أنجزت مسودة قرار يخص هذا الأمر، وشاركته مع كل من بريطانيا وفرنسا، وتضمنت المسودة اقتراح توسيع الاستثناءات الإنسانية والتجارية، بما فيها استثناء محدود عن قرار سابق مفروض على حظر الأسلحة، ما يمكن وكالات تابعة للأمم المتحدة من استخدام معدات عسكرية لازمة في عملية «نزع الألغام».
وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة عدلت على النسخة الأولية من القرار، كانت تتضمن بند شطب «هيئة تحرير الشام» من قائمة العقوبات، إلا أن توقعات من اعتراض كل من روسيا والصين على القرار دفع بتعديل المسودة، وتأجيل البند المرتبط بشطب تحرير الشام من القائمة.
ويعتقد متابعون أن دمشق قد كسرت الجليد مع موسكو بعد زيارة الشيباني إلى العاصمة الروسية ولقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف. ومن المتوقع أن يكون جرى تحييد الموقف الروسي من قضية رفع تصنيف هيئة «تحرير الشام» وقائدها من القائمة السوداء في مجلس الأمم. هذا يعني ان الإدارة السورية الجديدة أصبحت أمام عائق وحيد هو «سور الصين». لكن الجهود الأمريكية الحثيثة في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك ستفضي إلى حضور الشرع اجتماعات الجمعية العامة الـ79 نهاية ايلول (سبتمبر)