تقدم مقاتلون أجانب وآخرون ممن انضموا إلى الحرب الأهلية في سوريا من الخارج بطلب إلى الحكومة الجديدة التي يقودها إسلاميون للحصول على الجنسية، قائلين إنهم يستحقونها بعد أن ساعدوا المعارضة في الوصول للسلطة في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.
وبات مصير هؤلاء المقاتلين الأجانب من القضايا الشائكة منذ وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، في ظل رفض عدد قليل من الدول استعادة أشخاص يعتبرونهم في الغالب متطرفين وقلق بعض السوريين من وجودهم.
ولا يملك عدد كبير من المقاتلين أو أسرهم، إضافة إلى آخرين مثل العاملين في الإغاثة والصحفيين الذين انضموا للمعارضة، أي وثائق قانونية سارية. كما أن بعضهم تم تجريده من جنسيته الأصلية ويخشى السجن لفترات طويلة أو حتى الإعدام في بلده الأم.
لكن منحهم الجنسية السورية قد يؤدي إلى نفور السوريين والدول الأجنبية، التي تسعى الحكومة الجديدة لكسب دعمها في أثناء محاولتها توحيد وإعادة بناء بلد دمرته الحرب وعصفت به أعمال قتل طائفية.
وجاء في رسالة قُدمت إلى وزارة الداخلية السورية يوم الخميس واطلعت عليها رويترز أنه ينبغي منح الأجانب الجنسية حتى يتمكنوا من الاستقرار وتملك الأراضي وحتى السفر.
وقال المقاتلون الأجانب في الرسالة “تقاسمنا الخبز والأحزان والأمل في مستقبل حر وعادل لسوريا… ومع ذلك بالنسبة لنا نحن المهاجرون، لا يزال وضعنا غامضا”.
وأضاف “نطلب من القيادة السورية، باحترام وحكمة وبعد نظر وأخوة، أن تمنحنا الجنسية السورية الكاملة والحق في
والشخص الذي قدم هذه الرسالة هو بلال عبد الكريم، وهو ممثل كوميدي أمريكي تحول إلى مراسل عسكري ويقيم في سوريا منذ عام 2012.
ويعد عبد الكريم من الأصوات البارزة بين الإسلاميين الأجانب في سوريا.
وقال لرويترز عبر الهاتف إن هذه الرسالة سيستفيد منها آلاف الأجانب من أكثر من 10 دول. ويشمل ذلك مصريين وسعوديين ولبنانيين وباكستانيين وإندونيسيين ومواطنين من جزر المالديف، بالإضافة إلى بريطانيين وألمان وفرنسيين وأمريكيين وكنديين وأشخاص من أصل شيشاني ومن قومية الويغور.
ولم يتسن لرويترز تحديد عدد الأشخاص الذين أيدوا هذه الرسالة، لكن ثلاثة أجانب في سوريا، وهم بريطاني وفرنسي وشخص من قومية الويغور، أكدوا أنهم أيدوا العريضة.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية السورية إن الرئاسة هي وحدها صاحبة القرار في قضية منح الجنسية للأجانب. ولم يرد مسؤول إعلامي في الرئاسة على طلب للتعقيب.
وفي الأشهر التي تلت سقوط بشار الأسد، وُجّهت اتهامات لمقاتلين أجانب بالمشاركة في أعمال عنف استهدفت أفرادا من الأقليات الدينية العلوية والدرزية.
وخلص تحقيق أجرته رويترز في أعمال العنف التي اندلعت في الساحل السوري في مارس آذار الماضي وأودت بحياة أكثر من ألف شخص من العلويين إلى أن مقاتلين من الويغور والأوزبك والشيشان وبعض المقاتلين العرب شاركوا في تلك العمليات، لكن التحقيق أوضح أن أغلبها نفذته فصائل سورية.
تدفق آلاف الأجانب السنة إلى سوريا بعد خروج مظاهرات حاشدة في 2011 تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية بأبعاد طائفية اجتذبت مسلحين شيعة من أنحاء المنطقة.
وانضم هؤلاء الأجانب إلى مجموعات متنوعة حارب بعضها هيئة تحرير الشام، بينما رسخ البعض الآخر لسمعة أنهم مقاتلون أشداء ومخلصون اعتمدت عليهم قيادات في الجماعة حتى لحماية أمنهم الشخصي.
كما تزوج الكثيرون وصار لهم أسر.
وقال المقاتل المنتمي للويغور، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر، إن هدفه تحول إلى التأسيس لحياة في سوريا الجديدة.
وتابع قائلا “لدي الآن طفل في الرابعة من عمره يجب أن يبدأ المدرسة قريبا وعلي أن أفكر في مستقبله بعيدا عن ساحات معارك الجهاد”.
وقال توقير شريف، وهو موظف إغاثة كان يحمل الجنسية البريطانية ويعيش في سوريا منذ 2012، لرويترز في مايو أيار إن الأجانب الذين قدموا مساهمات للمجتمع يستحقون الجنسية.
وجُرد شريف من جنسيته البريطانية في 2017 بسبب ما قيل عن صلاته بجماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وهو أمر ينفيه.
وأضاف “المهاجرون الذين جاءوا ليسوا قتلة، بل منقذين للأرواح جاءوا إلى هنا لوقف القمع”.
وعينت سوريا مقاتلين أجانب في مناصب عسكرية قيادية بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر كانون الأول. وتلقت السلطات السورية الجديدة الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لدمج عدة آلاف في الجيش وكلفت الأجانب بأدوار أخرى.
ويقول المؤيدون لفكرة منح المقاتلين الأجانب الجنسية السورية إن ذلك سيجعلهم خاضعين للمساءلة بموجب قانون البلاد.
وقال عبد الكريم، وهو من منتقدي هيئة تحرير الشام والقيادة السورية الجديدة، “ستكون تلك النتيجة العادلة للتضحيات التي قدمها الشبان من الإخوة والأخوات لتحرير البلاد من قبضة بشار الأسد”.
ويقول عروة عجوب، وهو محلل سوري يدرس ملف الجماعات السورية المسلحة منذ 2016، إن هذه المسألة يجب أن تعالج عبر الحوار مع مختلف أطياف المجتمع السوري،الذي لا يزال يحمل آراء مختلفة بشأنها