يشهد السوق السوري تحولاً جذرياً بعد التحرير؛ فبينما غابت قيود الماضي الأمنية، برزت تعقيدات جديدة تتطلب نفساً طويلاً وفهماً عميقاً لخصوصية الأرض السورية. في هذا السياق، يقدم رائد الأعمال المستقل عبادة اللحام، الذي عايش القطاع قبل وبعد التحول، رؤية نقدية تبتعد عن "الرومانسية الثورية" وتقترب من "الواقعية الاقتصادية"، واصفاً السوق الحالي بأنه مزيج من الفرص الخام والعوائق الهيكلية.
أولاً: المشهد المنقسم.. كيف يُنظر إلى سوريا اليوم؟
يرى اللحام أن الفاعلين في القطاع ينقسمون إلى تيارات متباينة:
- المتشائمون تقنياً: الذين يرون أن ضعف البنية التحتية (كهرباء، اتصالات، دفع إلكتروني) ينسف فكرة الريادة من أساسها.
- المتشائمون استثمارياً: الذين يرون السوق السورية صغيرة وغير مغرية للمستثمر الخارجي حالياً.
- المتفائلون (أصحاب الأرض البور): الذين يرون في غياب الخدمات فرصة لبنائها من الصفر وتملك السوق.
- الحالمون بـ "الوحش السوري": المراهنون على قدرة الفرد السوري على السيطرة وتجاوز الصعاب.
ثانياً: التحديات الجوهرية (ما وراء التكنولوجيا)
وفقاً لتحليل اللحام، تتجاوز المشكلة مجرد "سرعة إنترنت"، لتصل إلى نقاط أعمق:
- أزمة المختصين: يعاني القطاع من دخول "متطفلين" يفتقرون للخبرة الحقيقية، مما يخلق ثغرات في جودة المشاريع المطروحة.
- الإرث الثقافي: أحد أخطر التحديات هو "الثقافة العامة" للمجتمع، الذي لا يزال متوجساً من الحلول التقنية الجديدة، وهو إرث ناتج عن حقبة طويلة من الانغلاق وتهميش الابتكار.
- ندرة الكوادر النوعية: هناك فجوة هائلة في "كوادر المبيعات الناضجة" التي تفهم التقنية وتجيد لغة السوق المحلي في آن واحد.
ثالثاً: العلاقة مع القطاع الحكومي والمنظومة القانونية
في مرحلة ما بعد التحرير، يلاحظ اللحام غياب "التسلط الأمني والضريبي"، وهي خطوة جبارة للأمام. ومع ذلك، لا يزال القطاع الحكومي "غير ناضج" في فهم ريادة الأعمال، حيث تُبنى الشراكات غالباً على "الثقة والعلاقات الشخصية" بدلاً من "جودة الطروحات"، مما يستوجب على رواد الأعمال مهارات تواصل سياسي واجتماعي بجانب مهاراتهم التقنية.
رابعاً: وهم الاستثمار والشركات الخارجية
يشير المقال إلى نقطة حساسة؛ وهي أن الاستثمارات الضخمة والتقييمات المليونية في سوريا حالياً هي "غير حقيقية" وقد تضلل رواد الأعمال. المستثمر السوري لا يزال يفضل "الشركات التقليدية" الآمنة. أما عن بعبع "الشركات الخارجية"، فيؤكد اللحام أنها حقيقة لا مفر منها، لكنها لا تعني نهاية المشاريع المحلية، فلكل بلد خصوصيته التي تمنح الحلول المحلية أفضلية في الموائمة.
ويمكن اضافةمحاور اخرى لاستكمال الصورة وجعلها اكثر شمولية :
1. المقارنة مع تجارب دولية (تجربة دول ما بعد الصراعات):
بالنظر إلى تجارب مثل "إستونيا" أو "رواندا"، نجد أن القفزات الاقتصادية حدثت عندما تم تبني "الحكومة الإلكترونية" كأولوية قصوى. في سوريا، الحل لتجاوز "عدم نضج القطاع الحكومي" الذي ذكره اللحام هو الضغط باتجاه تشريعات رقمية مرنة تفصل بين العمل الإداري الروتيني وبين دعم الابتكار.
2. ميزان القوى: ريادة الأعمال مقابل القطاعات التقليدية:
كما ذكر اللحام أن "ريادة الأعمال ليست الفرصة الوحيدة"، يجب على رائد الأعمال الذكي في 2026 أن يربط مشروعه بقطاعات حيوية مثل (الزراعة، إعادة الإعمار، والطاقة البديلة). الريادة التي تعيش في "برج تقني" معزول ستفشل؛ الريادة الناجحة في سوريا هي التي "ترقمن" الاحتياجات الأساسية.
3. خارطة طريق لتجاوز التحديات:
- بناء الفرق العابرة للحدود: لمواجهة نقص الموارد البشرية محلياً، يمكن الاعتماد على السوريين في المغترب (Remote Work) لتدريب الكوادر المحلية ونقل الخبرة العالمية.
- التمويل البديل: بما أن المستثمر التقليدي متخوف، يجب تفعيل أدوات "التمويل الجماعي" (Crowdfunding) أو الصناديق الاستثمارية التشاركية بين رواد الأعمال أنفسهم.
- التعليم المستمر: للحد من ظاهرة "المتعدين على المصلحة"، يجب خلق منصات تعليمية مهنية تركز على "دراسات الحالة السورية" وليس فقط نظريات عالمية مستوردة.
إن ريادة الأعمال في سوريا 2026 ليست مجرد "تطبيق موبايل"، بل هي معركة لإعادة صياغة هوية الاقتصاد السوري. وكما لخصها عبادة اللحام، العبرة ليست في حجم الفكرة، بل في "قدرتها على موائمة السوق السورية وخصوصياتها". إنها أرض خصبة لمن يملك الصبر، والوعي، والقدرة على القراءة الصحيحة للواقع بعيداً عن ضجيج المؤتمرات الفارغة.