قرارات رئاسية جديدة تمهّد لمسار العدالة الانتقالية في سوريا: تحديات وتوصيات

السوري اليوم
الأحد, 18 مايو - 2025
الرئيس احمد الشرع
الرئيس احمد الشرع

أصدر الرئيس الشرعي السوري قرارين متتاليين حملا الرقمين 19 و20، أُعلن من خلالهما عن تشكيل هيئتين وطنيتين جديدتين، الأولى هي الهيئة الوطنية للمفقودين والمختفين قسراً (القرار رقم 19)، والثانية هي هيئة العدالة الانتقالية (القرار رقم 20).

أهمية الخطوة

لا شك أن إصدار هذين القرارين يُعدّ تطوراً نوعياً في السياق السوري، إذ يلامس ملفّين شديدي الحساسية: ضحايا الاختفاء القسري، والعدالة الانتقالية. ويأتي هذا التأسيس بعد سنوات من المطالبة بإنشاء هيئات وطنية تُعنى بالحقيقة والمساءلة وجبر الضرر، ويمنح الأمل لآلاف العائلات في تحرّك رسمي باتجاه كشف مصير أحبائهم، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان.

مضمون القرارين

القرار رقم 19 نصّ على تشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين، وعُيِّن بموجبه الدكتور محمد رضى الجلخي رئيساً للهيئة، مع منحه صلاحية اختيار فريقه المعاون. وستتولى الهيئة مهام البحث عن المفقودين، وتوثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلات الضحايا.


أما القرار رقم 20، فقد نصّ على تشكيل هيئة العدالة الانتقالية، على أن تركز عملها في المرحلة الأولى على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها النظام السوري، باعتبارها الأوسع والأخطر من حيث النطاق والضحايا.

انتقادات وتحديات

رغم أهمية الخطوتين، برزت انتقادات جوهرية من قبل نشطاء حقوقيين وشخصيات قانونية، أبرزها المحامي ميشيل شماس، الذي قدّم جملة من الملاحظات:

1. التفرد في التعيين:

يرى شماس أن تشكيل الهيئتين تم دون تشاور مع عائلات الضحايا أو المنظمات الحقوقية والمجتمعية التي راكمت خبرة طويلة في هذا الملف. وهو ما يناقض مبادئ العدالة الانتقالية، التي تؤكد على إشراك الضحايا والمجتمع المدني في صياغة المسار واستحقاقاته.

2. تعدد مسؤوليات الرئيس:

يشغل الدكتور محمد رضى الجلخي عدة مناصب إدارية وأكاديمية في آنٍ واحد، منها نائب رئيس جامعة إدلب، وأمين الجامعة، ورئيس لجنة تسيير أعمال الجامعة الافتراضية السورية، وعضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري. وهي مسؤوليات تتطلب تفرغاً تاماً، مما يطرح علامات استفهام حول قدرته على قيادة هيئة بحجم الهيئة الوطنية للمفقودين.

3. خلط في المهام:

نص القرار على أن تقدم الهيئة الوطنية للمفقودين الدعم القانوني والإنساني لعائلات الضحايا، وهي مهمة قد ترهق قدرات الهيئة وتعيقها عن أداء دورها الرئيسي. واقترح شماس تأسيس هيئة مستقلة تحت اسم "هيئة جبر الضرر والتعويض" تتولى هذه المهمة تحديداً، لضمان توزيع الأعباء وتخصّص العمل.

4. اقتصار العدالة الانتقالية على انتهاكات النظام:

القرار رقم 20 ركّز في فحواه على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها النظام السوري، متجاهلاً – بحسب المراقبين – الانتهاكات المرتكبة من باقي أطراف النزاع كتنظيم داعش، وقوات قسد، وبعض فصائل الجيش الوطني. وهذا قد يُفقد الهيئة حيادها ويؤثر على مصداقية مسار العدالة.

5. غياب المعايير التمثيلية:

لم تُحدَّد تركيبة الهيئتين، وعدد أعضائهما، ومعايير اختيارهم، وهو ما قد يفتح الباب للانتقائية، بدلاً من التمثيل العادل للضحايا، ولذوي الاختصاص من منظمات المجتمع المدني.

يُنظر إلى القرارين 19 و20 بوصفهما خطوة بالغة الأهمية في محاولة رسم مسار للعدالة الانتقالية في سوريا، إلا أن آلية اتخاذ القرار، وتفاصيل التنفيذ، وهوية الأشخاص المعنيين، جميعها تفرض الحاجة إلى مراجعة جادة. فلا عدالة بدون إشراك حقيقي للضحايا، ولا إنصاف بدون مساءلة شاملة، ولا مصالحة بدون معرفة الحقيقة كاملة.

العدالة ليست قراراً يُفرض من فوق، بل عملية تشاركية تُبنى من القاعدة، وتُصاغ بتوافق من مرّوا بالتجربة، لا من راقبوها عن بعد.

لمشاهدة الكتاب اضغط
الوسوم :