ميساء شيخ حسين
وسط واقع إعلامي بالغ التعقيد في سوريا، تبرز مبادرات تدريبية نوعية تسعى لإعداد جيل جديد من الصحفيين الملتزمين بأخلاقيات المهنة، بدعم من منظمات دولية ومؤسسات إعلامية مستقلة، وعلى أيدي صحفيين سوريين مخضرمين أجبرتهم آلة القمع على الخروج من البلاد في سنوات سابقة، ليعودوا اليوم بخبراتهم إلى الداخل، مدفوعين برغبة في بناء صحافة سورية جديدة.
أنهت منصة "سيريا إنديكيتور" (Syria Indicator)، وهي منصة إعلامية مستقلة مكرّسة للصحافة الاستقصائية، المرحلة الأولى من أولى تدريباتها في مجال الصحافة الأخلاقية، ضمن مشروع مدعوم من الاتحاد الأوروبي ومنظمة "فري برس أنليميتيد". التدريب الذي امتد على مدار خمسة أيام، حتى 15 أيار الحالي، ضم صحفيات وصحفيين شباب من مختلف المناطق السورية، وركز على صياغة فرضيات تحقيقات صحفية معمقة ستُنجز خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في إطار تدريب عملي يهدف إلى ربط المفاهيم بالتطبيق المهني.
ويعد هذا التدريب الأول من سلسلة مكونة من ثلاثة مراحل تمتد على مدى خمسة أشهر، وتشكل حجر أساس لبناء شبكة من الصحفيين القادرين على ممارسة التحقيق الصحفي بجرأة ومهنية في بيئة لا تزال تعاني من انعدام الشفافية وغياب المساءلة.
من جهة أخرى، بدأت صحيفة الثورة السورية المرحلة الأولى من خطة تدريبية جديدة للصحفيين الجدد بإشراف الصحفي عبسي سميسم، وبمشاركة عدد من كوادر الصحافة السورية العائدة بخبراتها من الخارج. واعتبر المشاركون أن هذه المرحلة التأسيسية كانت "غنية بالتفاعل"، وتمهد لخطوات أكثر تخصصاً ضمن خطة تطوير متكاملة تهدف إلى رفع كفاءة الصحفيين الجدد في الصحيفة الرسمية.
وشكر سميسم كل من خالد الخلف، مدير مؤسسة الوحدة، ونور الدين إسماعيل، رئيس تحرير الصحيفة، على التسهيلات والدعم المقدم لإنجاح هذه المبادرة، مشيداً بتعاون الصحفيين الشباب الذين أظهروا اهتماماً واضحاً بالتعلم والتطوير.
وفي مشهد رمزي يجسد التقاء الداخل والخارج، كان جون باتيست فافر، القائم بأعمال السفارة الفرنسية في سوريا، حاضراً في حفل تخريج صحفيين من تدريب نظّمته صحيفة عنب بلدي تحت اسم "مارس 19"، حيث أكد في تصريحات صحفية دعم بلاده لصحافة حرة ومستقلة كركيزة أساسية لبناء "سوريا جديدة"، تسودها الشفافية والمساءلة.
تعكس هذه المبادرات ملامح نهج جديد في الإعلام السوري، تقوده كفاءات صحفية خبرت المنفى، واكتسبت أدوات مهنية في كبريات المؤسسات والمنصات الإعلامية العالمية، وها هي اليوم تعود بخبراتها إلى الداخل، لتشارك الجيل الجديد دروس النجاة والعمل المهني، أملاً في مستقبل إعلامي أكثر نزاهة واستقلالية في سوريا.