سوق الاوراق المالية : تفعيل أدوات الاقتصاد

سوق الاوراق المالية في دمشق
سوق الاوراق المالية في دمشق


منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، شهد الاقتصاد السوري تحوّلات جذرية، تخللتها فصول من الانهيار، الانكماش، وفقدان الاستقرار النقدي والمالي. ومع مضي أكثر من عقد على الحرب، تحاول الحكومة السورية رسم ملامح مرحلة جديدة تستند إلى ما تسميه "إعادة التعافي وإعادة الإعمار"، رغم ما يواجهه هذا المسار من عقوبات دولية، ضعف البنية التحتية، وانكماش الاستثمارات.
وفي ظل تراجع قيمة الليرة، وانكماش القوة الشرائية، ونضوب الموارد العامة، تتجه السياسات الاقتصادية الرسمية نحو تفعيل أدوات الاقتصاد المؤسسي، ومحاولة استعادة الثقة بالمؤسسات المالية، كجزء من خطة أوسع لاحتواء التدهور الاقتصادي.
في هذا السياق، يُنظر إلى إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية – بعد توقف دام قرابة نصف عام – باعتبارها واحدة من المحاولات لإحياء أدوات التمويل والاستثمار المحلي، وخلق واجهة اقتصادية توحي بالاستقرار المؤسسي. لكن هذا التحرك يثير تساؤلات عدة حول دلالاته الحقيقية، وقدرته على التأثير في واقع اقتصادي ما زال هشاً وعرضة للصدمات الداخلية والخارجية.
فما هي المعاني الفعلية لهذا الحدث؟ وهل يرى المحللون الاقتصاديون فيه مؤشرًا على بداية تحول حقيقي، أم مجرد خطوة رمزية في طريق طويل من التحديات غير المحسومة؟
رسالة سياسية واقتصادية مزدوجة
إعادة افتتاح السوق بعد توقف استمر قرابة 6 أشهر يحمل دلالة رمزية قوية تسعى الحكومة من خلالها إلى إرسال رسالة مفادها أن سوريا تدخل مرحلة "تعافٍ اقتصادي تدريجي"، رغم الأزمات العميقة التي تشهدها البلاد.
سياسيًا، هي محاولة لإظهار نوع من الاستقرار المؤسساتي، واقتصاديًا، للإيحاء بوجود بيئة جاهزة للاستثمار وإعادة الإعمار.
دفع باتجاه إعادة الثقة
إعادة التداول تهدف إلى استعادة الثقة بين المستثمرين المحليين والجهات المالية، بعد سنوات من الانكماش الاقتصادي والتقلبات الحادة في سعر صرف الليرة. السوق يُراد له أن يكون منصة "رسمية" بديلة عن التداولات النقدية غير المنظمة التي انتشرت في الظل.
 تهيئة بنية اقتصادية لما بعد الحرب
الحدث يؤشر إلى أن الدولة تحاول تفعيل أدوات الاقتصاد الكلاسيكي – من ضمنها الأسواق المالية – لتكون جزءًا من استراتيجية إعادة الإعمار، خاصة وأن تمويل الإعمار قد يتطلب إصدار سندات أو تفعيل أدوات استثمارية جديدة عبر السوق.
تحسن تدريجي في مؤشرات السوق المحلية في حال ترافقت هذه الخطوة مع سياسات مالية أكثر مرونة، وتشجيع للقطاع الخاص، وشفافية في البيانات المالية.
جذب محدود لرؤوس أموال سورية مغتربة في المرحلة الأولى، خاصة في حال ظهرت مؤشرات على استقرار قانوني وتشريعي.
تفعيل أدوات تمويل الشركات المتوسطة والصغيرة، التي قد تجد في السوق نافذة جديدة لجذب الاستثمار بعيدًا عن القروض التقليدية
  تحفظات ومخاوف قائمة
البيئة القانونية والاستثمارية لم تتغير بعد
كثير من المحللين يرون أن إعادة التداول دون إصلاحات حقيقية في البيئة القانونية، وضمان استقلالية القضاء، ووضوح الأنظمة الضريبية، يجعل السوق في خطر أن يبقى "رمزيًا" أكثر من كونه أداة فعالة.
غياب الثقة بالمؤسسات المالية
لا يزال هناك حذر عميق من الجمهور والمستثمرين تجاه الجهاز المصرفي والحكومي، في ظل غياب الشفافية الكافية حول الشركات المدرجة، وعدم توفر تقارير مالية دقيقة أو مراجعة حسابات مستقلة.
تأثير سعر الصرف والتضخم
استمرار تذبذب سعر صرف الليرة وارتفاع مستويات التضخم قد يؤديان إلى عزوف المستثمرين عن الأدوات طويلة الأجل، والتركيز على الاستثمارات قصيرة الأمد والمرتفعة المخاطر خارج السوق الرسمي.
العقوبات الاقتصاديةالعقوبات الغربية، وخصوصًا الأمريكية بموجب "قانون قيصر"، تُعد عاملًا مقيِّدًا لأي محاولة لجذب استثمارات أجنبية أو حتى تحويلات من رجال أعمال سوريين في الخارج.
إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية خطوة ذات بعد رمزي وسياسي أكثر منه اقتصادي مباشر في هذه المرحلة. قد تفتح الباب لآفاق مستقبلية، لكن المحللين يشددون على أن فعالية السوق وقدرته على لعب دور حقيقي في النمو تتوقف على مجموعة إصلاحات شاملة في بيئة الأعمال، القضاء، والشفافية.
ما لم تتغير هذه الأسس، سيظل السوق محصورًا بدور شكلي ومحدود التأثير في ديناميات الاقتصاد السوري الحقيقي.