شهدت الساحة السياسية السورية تطوراﹰ بارزاﹰ مع صدور المرسوم الرئاسي رقم ٦٦ لعام ٢٠٢٥، الذي كلف اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب بالإعداد لتشكيل مجلس جديد مكوّن من ١٥٠ عضواﹰ؛ يُنتخب ثلثاهم عبر هيئات فرعية في المحافظات، فيما يُعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي لضمان التوازن والتمثيل، بحسب القائمين على الإعلان الدستوري
اللجنة التي يرأسها محمد طه الأحمد تضم أسماء بارزة مثل حسن إبراهيم الدغيم وعماد برق ولارا عيزوقي ونوار نجمة وغيرهم، وتضع في صلب عملها إعداد نظام انتخابي مؤقت يضمن التمثيل والشفافية والتوازن بين الكفاءات والأعيان.
وبالعودة إلى عمل المجلس في دوراته السابقة، فقد أظهرت تحليلات الأداء التشريعي أن مستوى الفاعلية لم يتجاوز حاجز ٣.٥٪ قياساﹰ بالمعايير الدولية، فقد كان مجلساً للوجاهة والنفوذ، ومن الواضح أن القائمين على تشكيل المجلس الجديد يطمحون إلى تحقيق نقلة نوعية في مستوى الأداء التشريعي ليتجاوز حاجز ال ٧٠٪، إذا ما قيس بنسبة تمثيل الكفاءات وفق ما ذكرته اللجنة، وذلك من خلال تفعيل دوره كمؤسسة قادرة على إنتاج تشريعات فاعلة تعبّر عن حاجات الناس وتواكب متغيرات العصر.
ولتحقيق هذه النسبة المرجوة فإن المجلس ينتظر مسار من خبرات متعددة في القانون والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس والتعليم وغيرها من التخصصات، بما يضمن بناء منظومة تشريعية متكاملة أفقياً تسهم في تطوير الدولة من خلال وجود كفاءات وتقنيين قادرين على تنفيذ مشاريع استثنائية تخدم إعادة الإعمار وتدعم الاقتصاد وتسهم في توحيد البلاد.
اللجنة التي وضعت جدولاﹰ زمنياﹰ لإنجاز تشكيل المجلس خلال مدة تتراوح بين ٦٠ إلى ٩٠ يوماﹰ شددت على فتح باب الترشيح وتنظيم طعون لضمان نزاهة العملية. ورغم غياب الانتخابات الشعبية المباشرة، يؤكد القائمون على العملية أن الانتخاب عبر هيئات ناخبة في هذه الظروف هو خيار واقعي لتمثيل تنوع المجتمع السوري وضمان مشاركة عادلة لفئات الشعب.
وبالرغم من الخلافات، فإن الهدف المشترك هو بناء برلمان تشريعي فعال قادر على سن قوانين عاجلة تمهّد لإرساء دولة جديدة تكون فيها الكفاءة والشفافية حجر أساس للعمل المشترك وتتجاوز المحطات الصعبة التي مرت بها البلاد خلال العقود الماضية.
وينتظر من مجلس الشعب الجديد أن لا يقتصر دوره على الحضور الشكلي أو الأداء الرمزي كما كان الحال في تجارب سابقة، بل أن يتحول إلى منصة تشريعية حقيقية تُعنى بصياغة القوانين وتطوير الأطر الناظمة لكافة مفاصل الحياة في سوريا بما يتناسب مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد ومتطلبات إعادة الإعمار والتحول نحو الدولة الحديثة.
فمن التعليم العالي الذي يحتاج إلى قوانين جديدة تراعي التنافسية وتربط الجامعات بسوق العمل، إلى ملفات الخدمات العامة التي تتطلب تشريعات تنظم آليات تقديم الخدمة وتضمن جودتها وتوسع نطاقها الجغرافي والاجتماعي، سيكون على عاتق البرلمان القادم مسؤولية صياغة تشريعات دقيقة وقابلة للتنفيذ.
كما يُنتظر من أعضاء المجلس أن يملكوا القدرة على صياغة قوانين تحفز الاستثمار وتحمي حقوق المستثمرين وتبسط الإجراءات، بما يضمن تدفق رؤوس الأموال إلى السوق السورية ويوفر بيئة اقتصادية مستقرة تشجع على خلق فرص عمل وتنشيط القطاعات الإنتاجية.
ويُضاف إلى ذلك أهمية إصدار تشريعات تنظم المرور والنقل وتعزز الأمن المجتمعي وتحمي السلم الأهلي، إلى جانب تحديث المنظومة القانونية المتعلقة بالأسرة والمرأة والشباب وتعزيز مشاركتهم في الحياة العامة من خلال ضمانات تشريعية فعلية لا شعارات إعلامية.
أما في المجال السياسي والاجتماعي، فلا بد من أن يواكب البرلمان القادم التحولات الكبرى عبر تشريعات تكرس قياس الرأي العام وتضمن حرية التعبير وتعزز الشفافية والرقابة، مما يسمح ببناء ثقة شعبية حقيقية في مؤسسات الدولة ويسهم في ترسيخ التماسك الوطني.
إن البلاد بحاجة إلى مجلس شعب لا يكون عنواناﹰ للوجاهة، بل ماكينة تشريعية حقيقية تنتج قوانين عصرية وواقعية تلبّي احتياجات الناس وتمهّد الطريق لمرحلة سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة، يكون فيها القانون هو الحكم والمرجعية، وتكون فيها الكفاءة والنزاهة والفعالية هي المعايير الأساسية للعمل العام