مقابلة كوبر: هل نشهد ولادة قناة سلام بين دمشق وتل أبيب؟

وزير الخارجية أسعد الشيباني بين الحاخام ابراهام كوبر والقس جوني مور
وزير الخارجية أسعد الشيباني بين الحاخام ابراهام كوبر والقس جوني مور


تحليل سياسي – خاص

تسلّط المقابلة المطولة التي اجرتها مجلة " المجلة" مع الحاخام أبراهام كوبر، نائب عميد مركز "سيمون فيزنتال"، الضوء على مسار دبلوماسي غير رسمي وهادئ يجري بين دمشق وتل أبيب، من خلال شخصيات تمتلك شبكة علاقات دولية وخبرة في بناء جسور التفاهم في أكثر السياقات السياسية تعقيداً.
ورغم أن هذا المسار لا يزال في بداياته الرمزية، إلا أنه يحمل مؤشرات لا يمكن تجاهلها حول انفتاح سوري – على الأقل من بعض مراكز القرار – على نقاش فكرة "خفض التصعيد" أو "سلام وظيفي"، دون أن يصل بعدُ إلى مستوى التطبيع الكامل أو التنازل عن الثوابت.

أبرز النقاط في المقابلة:

1. زيارة دمشق ولقاء الشرع: زيارة كوبر والقس جوني مور إلى العاصمة السورية، ولقاؤهما بالرئيس الجديد أحمد الشرع، تمثل خرقاً رمزياً لحالة الانقطاع الكامل بين سوريا وإسرائيل. الرسالة هنا واضحة: القيادة الجديدة في دمشق منفتحة على قنوات خلفية، ولا تمانع في استكشاف فرص تفاوض هادئة، تماماً كما بدأت "اتفاقيات إبراهام" في الخليج.

2. ترمب مجدداً؟ كوبر يلمّح بوضوح إلى إمكانية تدخل ترمب مستقبلاً لتأمين اتفاق سلام "إبراهيمي" بين سوريا وإسرائيل، وتصورا لاقامة مشاريع سياحية في الجولان على غرار ما تم اقتراحه لغزة ، في إذا ما عاد إلى البيت الأبيض. هذا يعكس تصوّراً في بعض الدوائر الأميركية والإسرائيلية أن القيادة السورية الحالية قد تكون أكثر براغماتية، أو أقل انحيازاً إلى محور طهران.

3. مشروع المقابر والحمض النووي: الحديث عن مبادرة إنسانية للكشف عن مصير مئات آلاف المفقودين السوريين من خلال الحمض النووي، يُعد مدخلاً غير سياسي لكنه شديد الحساسية. المشروع قد يفتح أبواب تعاون تقني وإنساني بين دمشق ومؤسسات دولية، وربما إسرائيلية، تحت غطاء "العدالة الإنسانية".


4. مياه الصحراء ومكر الجغرافيا: كوبر يقترح تعاوناً زراعياً ومائياً في المناطق القاحلة من سوريا، وعلاجا للجفاف الذي يسيطر على مساحات واسعة مستنداً إلى التجربة الإسرائيلية في الري والتنمية. لكنه هنا، من حيث يدري أو لا يدري، يلامس أحد أعقد الملفات السورية – ملف المياه – حيث يرى السوريون أن إسرائيل هي من تحتل مصادرهم، من الجولان إلى بحيرة طبريا، ولا يمكن القبول بأي حديث عن "مساعدة إسرائيل لسوريا" مائياً بينما المياه التي تروّي إسرائيل نفسها مسروقة من أراضي الجولان والضفة الغربية وجنوب لبنان.

 *المنظور السوري: السلام مقابل الأرض لا الوعود* 

رغم ما في المبادرة من إشارات دبلوماسية مهمّة، فإن أي مبادرة لا تُعيد الجولان المحتل وتُقرّ بالحقوق السورية في مياه طبريا، تبقى غير واقعية وغير قابلة للحياة. هذه ثوابت راسخة في وجدان السوريين، لا يمكن تجاوزها بخطابات إنسانية أو مشاريع تنموية شكلية.

وقد أثبت التاريخ – وتحديداً تجربة معاهدة كامب ديفيد – أن السلام  لا يتحقق بشروطه الدنيا إلا حين تعود الأرض كاملة، كما عادت سيناء لمصر. أما الحديث عن تزويد سوريا بالمياه من إسرائيل، فيراه كثير من السوريين نفاقاً سياسياً، لأن تلك المياه في الأصل سورية أو لبنانية أو فلسطينية مسلوبة.

وبالتالي، فإن أي حديث عن سلام شامل أو "تطبيع تدريجي" يجب أن يُبنى على اعتراف إسرائيلي بحقوق سوريا السيادية الكاملة، بما في ذلك انسحاب كامل من الجولان، وترتيبات مائية عادلة، وتعويضات بيئية وإنسانية عن عقود الاحتلال.


 *ميلاد قناة، لا خارطة طريق* 

ما نشهده اليوم ليس اتفاقاً ولا حتى مفاوضات، بل توثيق لميلاد قناة تواصل جديدة بين دمشق وتل أبيب، غير رسمية ومحدودة التأثير في الوقت الراهن. أهميتها تكمن في أنها تُظهر استعداد أطراف متعددة لتجريب مقاربات مختلفة – إنسانية، دينية، تنموية – لكسر الجمود.

لكن لا واقعية لأي "سلام" دون حل جذري للمظلومية السورية. وتبقى المعادلة الأساسية ثابتة: الأرض مقابل السلام، لا مقابل الوعود.