الرقة – تموز 2025
في واحدة من القضايا التي تسلط الضوء على معاناة سكان البادية والمناطق الشمالية الشرقية خلال سنوات النزاع، ناشدت عشر عائلات من رعاة الجمال الجهات المعنية في الحكومة السورية الجديدة لاسترداد قطيع من الجِمال والنوق يعود لهم، كانت قد تمت مصادرته في تموز/يوليو 2017 من قبل قوات عسكرية تابعة للنظام السابق أثناء عملياتها في ريف محافظة الرقة.
وبحسب روايات الشهود وذوي المتضررين، فقد كان القطيع المؤلف من 486 رأسًا من الجمال والنوق، إلى جانب خمس سيارات خدمة، يرعى قرب ناحية المنصورة بريف الرقة، عندما اقتحمت المنطقة آنذاك وحدات عسكرية بقيادة الضابط المعروف سهيل الحسن، الشهير بلقب "النمر"، مستخدمة الدبابات والطائرات العمودية. وتمت مصادرة القطيع بالكامل واعتقال خمسة من الرعاة، الذين نُقلوا حينها إلى مطار كويرس العسكري، حيث انقطعت أخبارهم لاحقًا.
ورغم محاولات أصحاب القطيع، على مدى سنوات، مراجعة السلطات العسكرية لاستعادة ممتلكاتهم، إلا أنهم قوبلوا بالرفض والتهديد، ما أجبرهم على التراجع تحت وطأة الخوف والحرمان.
ومع تغير المشهد السياسي وهروب عدد من المتورطين في الانتهاكات، شرعت العائلات مؤخرًا بالبحث عن مصير القطيع، لتكتشف أن 400 رأس من الجمال تم تسليمها عام 2018 إلى دائرة البحوث الزراعية في دير الحجر بريف دمشق. لكن عند مراجعة الدائرة، لم تُسلَّم للعائلات سوى 52 رأسًا فقط، كما رفضت الإدارة تسليم 48 رأسًا من المواليد الجدد التي أنجبتها النوق خلال فترة المصادرة، في حين أفادت الدائرة بأن باقي القطيع "تم بيعه لمواطنين آخرين وفق إجراءات رسمية".
ويؤكد المتضررون أن القطيع هو مصدر رزقهم الوحيد، وأن ما جرى ألحق ضررًا بالغًا بأطفالهم ونسائهم وكبار السن الذين يعيشون حياة رعوية بسيطة في الصحارى والبراري، دون أي بدائل اقتصادية.
وفي سياق متصل، أكدت مصادر في الحكومة السورية الجديدة أن من ضمن أولويات المرحلة القادمة إعادة الحقوق لأصحابها، سواء كانت عقارية أو منقولة، بما في ذلك الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها من المدنيين خلال سنوات الحرب. وأضافت المصادر أن الحكومة بصدد مراجعة عشرات الحالات المماثلة في مختلف المحافظات، وخصوصًا في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية سابقة، من أجل معالجة مظالم موثقة وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.
وتأتي هذه القضية لتذكّر بممارسات كانت تحدث بعيدًا عن الأنظار، في مناطق البادية والشمال الشرقي، حيث عانى الأهالي من التهميش والانتهاكات، ويفتح طرحها اليوم نافذة أمل نحو مسار عدالة تصحيحية، طالما طالب بها المتضررون، وآن أوان الإنصات لهم بعد سنوات الصمت والتجاهل.