أرشيف كوهين

ايلي كوهين
ايلي كوهين

رأيته مدلى من حبل المشنقة في ساحة المرجة في 18 أيار/ مايو 1965 وجموع غفيرة تحلقت حوله في الساحة الشهيرة التي كان يتم فيها عمليات الإعدام، بعد الفضيحة الكبرى باكتشاف عمليات تجسس كبيرة على الجيش السوري وجميع مواقعه، بعد تسع وخمسين سنة ونفس هذا اليوم تعلن دولة الاحتلال استعادة أرشيف هذا الجاسوس بعملية جاسوسية جديدة فيها رمزية كبيرة، وفيها تساؤل أكبر. وقصة هذا الجاسوس اليهودي السوري الأصل كان قد انتقل مع عائلته من مدينة حلب في العام 1924 إلى مصر، التحق في طفولته بمدارس دينية يهودية ثم درس الهندسة في جامعة القاهرة ولكنه لم يكمل تعليمه وانضم كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية في 1944 وأخذ يدعو اليهود المصريين للهجرة إلى فلسطين، وعمل تحت قيادة أحد عملاء الاستخبارات اليهودية في مصر وقام بسلسلة من التفجيرات مع عصابته لبعض المنشآت الأمريكية لضرب العلاقات بين مصر وامريكا ما أدى إلى اعتقاله بعد حرب السويس 1956 وبعد الإفراج عنه هاجر إلى إسرائيل وتزوج من يهودية عراقية وانخرط في جهاز الموساد بعد عدة أعمال في وظائف لم ينجح فيها. ورأى الموساد أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق، وانتحل اسم كامل أمين ثابت كتاجر سوري عاش في الأرجنتين ويرغب العودة إلى الوطن بعد أن أعلن أنه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعياً حب الوطن. وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق، تلقّت أجهزة الاستقبال في الموساد أولى رسائله التجسسية التي لم تنقطع على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، بمعدل رسالتين على الأقل كل أسبوع. وفي الشهور الأولى تمكّن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش والمسؤولين الأمنيين وقيادات حزب البعث السوري. وكان من المعتاد أن يزور أصدقاؤه في مقر عملهم، وكانوا يتحدثون معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل ويجيبون على أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي، أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفييتي وغيرها من الأمور العسكرية، وحتى انه تمكن من زيارة جبهة الجولان وتصوير تحصيناتها. وبعد 4 سنوات من العمل في دمشق، تم الكشف عن كوهين عندما كانت تمر أمام بيته سيارة رصد الاتصالات الخارجية فرصدت رسالة مورس منبعثه من منزله فتم إلقاء القبض عليه وحوكم من قبل محكمة عسكرية وتم إعدامه بعد أن دوت فضيحة تجسسه في العالم أجمع. وحاولت إسرائيل بشتى الوسائل استعادة أرشيفه ورفاته لكنها لم تتمكن من ذلك رغم وساطات عديدة وضغوط من دول مختلفة.

اليوم دخلت قوة من الموساد الإسرائيلي إلى قلب العاصمة السورية، واستطاعت الحصول على أرشيفه، وهنا لا بد من التساؤل كيف يمكن لهذه القوة المخابراتية أن تصل إلى هدفها وتستحوذ على ما تريد وتخرج من سوريا وكأن سوريا أصبحت مكانا مشاعا للقاصي والداني دون حسيب أو رقيب، وكانت قبل ذلك أيضا استطاعت أن تحصل على رفات جندي لها قتل في سوريا، وهي تصول وتجول في قرى ومدن الجنون السوري، وتحتل قمة جبل الشيخ ومواقع عديدة في الجولان، أين هي دفاعات الجيش السوري؟، أين هي مخابرات سوريا الجديدة؟ فلا يمكن لهذه لمجموعة من الموساد أن تصل إلى هذا الأرشيف دون مساعدة داخلية تعلم جيدا أين يوجد هذا الأرشيف والوصول إليه بأمان، لا بد اليوم أن يفتح هذا الملف ويتم التحقيق فيه، وتحديد المسؤوليات، وضبط الحدود السورية فهذا يتعلق بسيادة الدولة السورية، وليس مقبولا الاستهانة بها. والملفت للنظر أن هذه العملية جاءت في نفس يوم إعدامه، وبعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع، إنها عملية غامضة متعددة الأبعاد ولا بد من توضيح من الإدراة السورية الجديدة.