الصورة أبلغ من ألف كلمة

صورة الزعماء العرب على جدران تل أبيب
صورة الزعماء العرب على جدران تل أبيب


كان نابليون الشهير يخاف الصحافة فمنعها وقال: "أسهل علي سماع دوي ألف مدفع من صرير قلم". وبالطبع لم يكن نابليون وحيدا في هذا المضمار فصرير الأقلام حقا أقوى من المدافع، كان هذا في وقت كانت الكلمة تتفشى في العقول، تنير طريقا غير طريق المدافع والرصاص. اليوم جاءت الصورة لتضيف لبلاغة الكلمة بلاغة البصر والبصيرة، وصورة اليوم التي رآها كل محتلي فلسطين، وكل العرب، وكل الروم والعجم، هي صورة زعماء عرب يلتفون حول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على جدران تل أبيب. وهذه الصورة يمكن أن تؤخذ بالتحليل الصوري من موقف كل زعيم حسب قربه من عراب التطبيع الذي أدرج تحت اسم "اتفاقية ابراهام"، ومن ضحكته فمصمم الصورة أراد أن يظهر كم أن هؤلاء الزعماء سعيدون بالتطبيع مع دولة الاحتلال، وأن ترامب جمعهم حوله في جولته الثانية أضافت إلى العائلة المطبعة أعضاء جدد هم زعماء سوريا، ولبنان، وعمان، أي أنهم على القائمة للالتحاق بركب المطبعين، ومن الملفت للانتباه أن هذه الصورة جاءت بعد الحرب الإسرائيلو أمريكية على أيران، والحرب الإسرائيلو أمريكية الغربية بشكل عام على غزة، وإذا الحرب الأولى قد انتهت بمسرحية هزلية بطبخ إعلان وقف إطلاق النار بعد منتصف ليل تم في قصف القاعدة الأمريكية في قطر قاعدة عيديد بصاروخ طهراني فارغ الرأس لم يؤذي هرة سائبة، فإن الحرب الثانية المستمرة منذ عشرين شهرا ما زالت مستمرة في قتلها للفلسطينيين وتدميرها لبناهم وبنيانهم، ومستشفياتهم، وتجويعهم بحصار خانق، ولم نسمع صراخا أو عويلا لتدمير صاروخ إيراني تائه لمستشفى إسرائيلي. وعلى المستوى السوري تزامن كل هذا مع زيارة الحاخام اليهودي الأمريكي أبراهام كوبر والقس الأمريكي جوني مور الذي التقى بالرئيس أحمد الشرع لمدة ساعتين وكان النقاش حول محادثات محتملة بين سوريا ودولة الاحتلال للبحث في مستقبل "مشرق"، وفي مقابلة مع مجلة
المجلة تكفل بمساعدة السوريين في معرفة هويات المفقودين في المقابر الجماعية، وفي جر المياة الإسرائيلية إلى سوريا لأنه رأى دمشق وضواحيها صحراء قاحلة، ولكنه ربما لا يعرف أن المياه الموعودة هي مياه سوريا بالأصل التي سرقت من الجولان، وربما الحاخام لم ير غوطة دمشق الغناء التي تلف أقدم عاصمة كسوار حول معصم في العالم والتي شيدت قبل انشاء إسرائيل بعشرة آلاف عام أي حتى قبل موسى وإبراهيم، والمضحك المبكي في هذه القضية أنه عندما سئل عن الجولان المحتل قال بأن هذه المسألة معقدة ويمكن حلها بأن نحول الجولان إلى منتجع يتمتع به السوريون والإسرائيليون في رحلات كشافة، يا سلام باتت أرض سوريا المغتصبة منتجعا لليهود أي صورة أخرى عن الريفييرا في غزة، وقد صرح وزير الخارجية جدعون ساعر أنه لا يمكن توقيع اتفاق تطبيع مع المطالبة بالانسحاب من الجولان. وهنا عقدة النجار الترامبي كيف يمكن أن يحل هذه المعضلة وهو في شوطه الأول من الرئاسة وافق على سيادة إسرائيل على الجولان؟ ولا سيما أن يعلم علم اليقين أنه لا يمكن لسوري حتى التفكير بالتخلي عن الجولان، والأنكى من ذلك هو كيف للإدارة السوري أن تقبل مثل هذا التطبيع بفقدان جزء من أراضيها؟ خاصة وأن مصر عندما وقعت اتفاقية كامب ديفيد استعادت كل أراضيها, فهل تقبل سوريا بأقل مما حصلت عليه مصر خاصة وأنهما خاضا الحروب معا ضد الاحتلال؟ وهذه عقد نجار أخرى في مسار منشار ترامب الذي اجتمع حوله الزعماء العرب في صورة تعد تاريخية الذي كانوا بالأمس أعداء دولة الاحتلال، واليوم يبتسمون على جدران تل أبيب.